الجمعة، 18 فبراير 2011

المؤامرة الكبرى

تاريخ الحضارة الطبقية المستند إلى الدولة هو تاريخ المؤامرة. بدأت هذه المؤامرة في عملية سيطرة الإله الذكوري انكي على قيم الآلهة الأم الأنثى إينانا، أي بمعنى سيطرة ذهنية الرجل المخادع المحنك على مقدرات المجتمع الطبيعي ذات الطبيعة الأمومية الأنثوية. وهي بنفس الوقت تعني سيطرة فئة أو حفنة طفيلية متنفذة في المجتمع على المنتج أو القيمة الزائدة. هكذا وعلى هذا المنوال تطورت هذه العملية القائمة على الاستغلال عن طريق اللعب على الحقائق والكذب والخداع والحنكة المستندة إلى العقل ( الذكاء التحليلي) لثقافة الصيد الذكورية ضد قيم المجتمع القروي الطبيعي الزراعي. وكنتيجة لهذا الاغتصاب ضد قيم المجتمع الطبيعي المادية و المعنوية، تطورت بذرة مؤسسة الدولة في الزوايا المظلمة والغرف السرية للمعابد السومرية والواقعة في قلب المدن الأولى في التاريخ. إذاَ حسب هذا السرد المختصر يجب القول بان المؤامرة تعني ما يلي : الحيلة، الكذب، الخداع، الفتنة،التزوير وقلب الحقائق، رمي كل القيم الأخلاقية للإنسانية بعرض الحائط، استخدام كل العلاقات الاجتماعية مثل الصداقة والاحترام والحب في سبيل نصب المكائد والمصايد والسيطرة على الوضع. إذاَ يجب أن نستنتج من هذا كله، بان الدولة كمؤسسة قمعية معادية للقيم الإنسانية ( المادية منها والمعنوية ) نمت وترعرعت على أرضية المؤامرة.
لذا تظهر العبث بين ثنايا الأسئلة التالية: لماذا تقوم الدولة بالمؤامرة، لماذا يكذب رئيس الحكومة، لماذا تمارس مؤسسات الدولة القمع، والاستغلال،الإرهاب والديماغوجية !؟ والجواب بسيط، لأنها كمؤسسة مبنية في الأساس على هذه الخصوصيات المتناقضة مع طبيعة الإنسان ككائن مجتمعي وكومونالي في أصله وخلقته. ولكن هذه الخصوصية التآمرية لمؤسسة الدولة لم تبقى كما هي على حالتها الأولى بل اكتسبت ألوان ومزايا وأدوات جديدة ومعقدة وأكثر دقة واتقانا مع مرور الزمن. فكلما تعمقت عملية تمأسس الدولة وتجذرها, تعمقت و تجذرت نظرية المؤامرة وممارستها لدى الدولة ضد المجتمع أكثر فأكثر.
ولكن رغم التغيير والتحول الحاصل, إلا آن الهدف والمحتوى حافظت على طبيعتها الأصلية منذ خمسة ألاف سنة من عمر الدولة وظاهرة التآمر. الهدف هو تصفية المجتمع عبر القضاء على خصوصيته الأخلاقية وإرادته في إدارة نفسه وتحويله إلى قطيع من العبيد تنتج القيم المادية لمؤسسة الدولة وتطيع كل أوامرها بجهالة وخوف رهيبين. والمحتوى أيضا يكن في الكذب والديماغوجية والحيلة مع تغيير الوسائل والأدوات والتجذير في الإتقان والدقة. من هنا نتلمس تغييرا كبيرا في شكل وحجم ظاهرة المؤامرة، لان هذا التغيير قد طرأ على مؤسسة الدولة أيضا. إذاَ هناك تناسب طردي في العلاقة الجدلية فيما بين مؤسسة الدولة وظاهرة المؤامرة عبر تاريخ الممتد إلى خمسة آلاف سنة. فكلما تغير شكل الدولة وحجمها، تغير معها شكل المؤامرة وحجمها والعكس هو الصحيح. لان هاتين الظاهرتين "المؤامرة والدولة " متلازمتان ووجهان لعملة واحدة منذ البداية.
إلى جانب هذه العلاقة الإلزامية بين المؤامرة والدولة، فإننا نتلمس خصوصية أخرى للمؤامرة وهي إنها رغم نجاحها في هدفها الساعي إلى تصفية آلية الدفاع لدى المجتمع الإنساني على المدى القريب والمرحلي، إلا إنها تنكشف وتنقلب ضد مؤسسة الدولة على المدى البعيد والاستراتيجي في حال ظهور وتصاعد النضال المجتمعي الديمقراطي وتطور الدفاع الذاتي للإرادة الاجتماعية من الناحية الذهنية والأخلاقية والسياسية والتنظيمية وصولا إلى المقاومة الثورية العسكرية كخيار نهائي يضطر المجتمع للجوء إليه بغرض الدفاع المشروع الذاتي. على ضوء هذا التقييم المختصر بصدد المؤامرة والدولة نريد تسليط الأضواء إلى بعض جوانب المؤامرة الكبرى ضد الإنسانية والشرق الأوسط في 15 شباط سنة 1999.
إنها مؤامرة استهدفت القائد آبو في نهاية قرن العشرين وبداية قرن الواحد والعشرون، وهي مؤامرة كبرى من حيث الشكل وحجم القوى المشاركة في حبكتها وأساليبها. أولا: لماذا استهدفت هذه المؤامرة شخصية القائد آبو، لا شك بان استهداف شخصية معينة من قبل المعابد السومرية العصرية وزواياها وغرفها السرية في لندن ونيويورك وتل أبيب، لها دلالات اجتماعية وتاريخية وعالمية عميقة، لان النظام الحاكم العالمي عندما يقوم بمثل هذه المؤامرة الواسعة والعميقة والدقيقة، فإنها تهدف إلى خلق حالة اجتماعية وتاريخية وعالمية منسجمة ومتناسبة مع مصالحها هي. وأما استهداف شخصية معينة عبر هذه المؤامرة، فإنما يعني بان هذه الشخصية يمثل في جوهره وعمله عائقا اجتماعيا وتاريخيا وعالميا أمام مخططات هذه النظام المعادي للبشرية. إذاَ، هذه المؤامرة كانت بداية تدخل النظام العالمي الظالم بقيادة أمريكا في الشرق الأوسط بشكل فعلي وذلك بعد انهيار النظام الاشتراكي السوفيتي. وقد استوعب النظام شخصية القائد آبو كعائق أساسي وجذري  رادع أمام هذا التدخل الهادف إلى  تصفية كل ديناميكيات المقاومة وآليات الدفاع الذاتي المشروع في المنطقة. كما أدرك هذا النظام بأن وجود القائد آبو سوف يحال الى دون تمكنهم لاستخدام قوة المجتمع الكردستاني والورقة الكردية في المنطقة من أجل مصالحهم. كما أن الصهيونية العالمية أصرت على القيام بهذه المؤامرة لإرضاء حليفتها الإستراتيجية تركيا من جهة وللانتقام من القائد آبو بسبب عدم قبوله لسياستها الأنانية بصدد المسالة الكردية من جهة أخرى.
ثانيا: كانت مؤامرة كبرى لا مثيل لها في التاريخ من ناحية حجم القوى والدول المشاركة فيها وشكلها وأساليبها. لاشك بأن سيدنا إبراهيم وسقراط  وسيدنا عيسى وماني وسيدنا محمد أيضا تعرضوا إلى المؤامرات على يد مؤسسة الدولة ورموزها. ولكن هذه المؤامرة التي استهدفت قائد شعبنا وحركتنا على يد مؤسسة الدولة في عهد المدنية الرأسمالية الحداثوية، مختلفة عن كل هذه المؤامرات التاريخية التي مرت. لقد اشتركت أكثرية الدول الإقليمية والأوربية و بعض القوى الأخرى بهذا الشكل أو ذاك في تنفيذ المؤامرة أو المساهمة في تسهيل تنفيذها بقيادة لندن وواشنطن وتل أبيب. حيث لا يمكن أن نعثر على مثل هذا الاتفاق والتطابق في أية قضية أو حرب أو صراع ولا في أي مرحلة تاريخية. والسبب الأساسي هو تمثيل القائد آبو لمنظومة فكرية مستندة الى الحرية والعدالة والمساواة ومتابعته الذهنية في البحث عن حلول خارج إطار نظام الحضارة العالمية المستندة الى الذهنية الدولتية والحروب الدموية والكوارث وأنماط من الحياة الهدامة والمعادية لطبيعة المجتمع البشري.
نعم، لقد اكتشفت المخابرات الأمريكية هذه الحقيقة في السبعينيات من القرن الماضي وذلك عندما كانت الحركة الآبوجية في طور التشكل كمجموعة إيديولوجية، لقد تم العثور على التقرير ألاستخباراتي الأمريكي بصدد تقييمها للحركة الآبوجية كأخطر حركة ثورية واختلافها عن الحركات اليسارية الأخرى في تلك المرحلة ومن خلال استيلاء الطلبة الثوريين الإيرانيين على وثائق السفارة الأمريكية في طهران سنة 1979.
إذا، كان هناك تخطيط وبرمجة أمريكية _ انكليزية وأوربية وصهيونية منذ سنة 1985، ولكن العملية الكبيرة في هذا المخطط التآمري حصلت في 15 شباط 1999 بسبب التناسب والانسجام والتطابق الحاصل في سياسة الدول والقوى الدموية بصدد إعطاء شكل جديد لوضع المنطقة.
فإلى جانب يونان،ألمانيا،هولندا، بلجيكا وروسيا، تمكنت أمريكا وإنكلترا والصهيونية العالمية من إقناع بعض القوى الكردية في جنوبي كردستان لكي تنضم إلى الجوقة الموسيقية التركية الداعية إلى تشهير حركة الحرية بقيادة حزب العمال الكردستاني واتهامها بالإرهاب. وهكذا مرة أخرى تم استهداف أقدم هوية ولغة وثقافة من قبل النظام العالمي الظالم بقيادة الإنكليز وأمريكا بعد 15 شباط سنة 1925 في شخصية الشيخ سعيد من قبل نفس القوى. ولكن في هذه المرة هناك فرق كبير في الظروف والزمان والأساليب. وكما يقول المثل الشعبي الكردي "  war ew ware,le bihar ne ew bihare" المكان هو نفس المكان، ولكن الربيع ليس نفس الربيع " لان في هذه المرة يملك الشعب الكردستاني قيادة فلسفية – عملية – تنظيمية وسياسية استطاعت أن تستوعب وتدرك التاريخ والحاضر والمستقبل وتصمد أمام اكبر مؤامرة عرفها التاريخ وفي أصعب الظروف.
لأن القائد آبو استطاع  تقييم وتحليل وفهم مغزى هذه المؤامرة الانكليزية المنشأ وأمريكية الصنع وصهيونية الماركة ! وقد  أشار منذ البداية وفي لقائه الأول مع  المحاميين بان هذه اللعبة تستهدف الى خلق حرب دموية بين المجتمع الكردي والتركي يمتد إلى مئة عام كما هو الحال في الصراع العربي الإسرائيلي. وكما أشار بان هذه المؤامرة تستهدف إضعاف تركيا والمجتمع التركي أيضا إلى جانب جميع شعوب منطقة الشرق الأوسط. لذا اتبع القائد آبو أسلوبا ومنهجا هادفا إلى سد الطريق أمام هذه اللعبة، ومازالت جهوده منصبة ضمن هذا الإطار.
لقد اشرنا إلى أن المؤامرة قد تنقلب عكسيا على صاحبها مع مرور الزمن في حال وجود الديناميكية النضالية ضدها. وما حصل في مؤامرة 15 شباط هو هذا إلى حدٍ كبير. كما أن المؤامرة التي تم حياكتها ضد سيدنا عيسى من قبل الطبقات الارستقراطية اليهودية المتحالفة مع روما  أعطى نتائج عكسية بعد مرور ثلاثة قرون من الزمن. وكما أن التاريخ يؤكد أن عملية صلب سيدنا عيسى جعله مسيحا في قلوب الناس! يمكن الإشارة أيضا إلى مؤامرة قتل سقراط بالسم على يد آلهة دولة أثينا وكيفية تحوله بعد ذلك إلى مرتبة الحكيم والعالم وشهيد الفلسفة في أذهان ووجدان البشرية جمعاء.
لذا عندما نقترب من المسالة بهذا الشكل الملفت للنظر والتراجيدي أيضا، فإننا سوف نرى مايلي : لقد كان النظام التآمري ومازال يهدف إلى تصفية القائد آبو فكريا ومعنويا وسياسيا وبالتالي جسديا، ومن خلال تصفية آمال الشعب الكردستاني في الحرية والديمقراطية، ولكن ها قد مضى اثنا عشرة سنة على هذه المؤامرة ولم يستطيع هذا النظام العالمي الحاكم من الانتصار. بل على العكس من ذلك، استطاع القائد آبو بصموده الفكري والمعنوي وحتى الجسدي من تحويل زنزانة امرالي الفرعونية إلى مركز إشعاع لذهنية المجتمع الديمقراطي – الكومينالي الطبيعي كبديل لذهنية الرهبان السومريين العصريين والقابعين في مركز الدول الرأسمالية المتفسخة في لندن وواشنطن... وغيرها من العواصم السرطانية. كما أن الشعب الكردستاني ارتبط والتحم فكريا وروحيا بهذا القائد أكثر فأكثر، أما الكريلا الكردية في الجبال فقد أكدت بأنها ماضية على خطى فلسفة هذا القائد والإنسان الحر عبر عملياتها وتضحياتها وشهدائها في إطار المقاومة على خط الدفاع المشروع.
أما الشعب التركي وقواه الديمقراطية، فقد تمكنت من القيام بخطو الخطوات على طريق التحرر الذهني في مجال كسر الإطار الكلاسيكي الرجعي والعنصري لسياسة الإنكار والإمحاء الرسمية ضد الشعب الكردي. وهكذا وصلت القضية الكردية إلى أرضية مناسبة وهامة في مجال حلها على الأسس الديمقراطية- العادلة في الشرق الأوسط. لاشك بان المفتاح الأساسي لكل هذه التطورات هو الانفجار الفلسفي والذهني المتحقق في شخصية الإنسان الحر ضمن الزنزانة الانفرادية لجزيرة امرالي المعزولة عن العالم! من هذا المنطلق انعكست مؤامرة 15 شباط لعام 1999 على مرتكبيها وهم الآن يحيكون خيوط ألاعيب قذرة أخرى لإنقاذ سياستهم التآمرية السابقة في صراعهم ضد فلسفة القائد آبو ونضال الشعب الكردستاني ومقاومة الكريلا الكردية. رغم كل هذا فإننا لا نستطيع القول بان هذه المؤامرة قد طمرت في التراب من غير رجعة، بل أصحابها القابعين في الغرف السرية والزوايا المظلمة لحلف الناتو والمعابد الفرعونية العالمية والشرق الأوسطية, مازالوا مصرين على سياستهم الأحادية القوموية الاستعمارية والساعية إلى تصفية الشجرة الكردية العريقة ضمن حديقة الشرق الأوسط وبالتالي تصفية الحديقة كلها.
الجانب الأساسي بصدد هذه المؤامرة بعد اثنا عشرة سنة، تكمن في مدى استيعابها بشكل عميق وجذري من قبل الشعوب الكردية، التركية،العربية، والفارسية وجميع مكونات المنطقة الأخرى. لان وحدة النضال والمصير والحل الديمقراطي السليم لجميع قضايا المنطقة مرتبطة إلى حد كبير بمدى فهمهم واستيعابهم لهذه المؤامرة الكبرى في تاريخهم



حسين شاويش
Source / Partiya Karkerên Kurdistan (PKK

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق